لماذا يعتبر الحلم هو سيد الأخلاق

ذات يوم وبينما كان الأب ينظف سيارته الأنيقة فوجئ بابنه ذي الست سنوات يكتب عليها بمسمار إلتقطه من الأرض على حين غفلة من أبيه وفي قمة غضبه واندفاعه أخذ الأب بيد ابنه وضربه عليها عدة مرات بدون أن يشعر أنه كان يستخدم للعقاب قضيب حديدي ضخم كانت ثورة الأب عارمة فالسيارة جديدة وتخريب الابن كان غير متوقع لهذا كانت الضربات قاسية وقوية مما أدى إلى بتر أصابع الابن في المستشفى لاحقًا وتحول العقاب إلى مأساة خاصة عندما كانت براءة الطفل تتألم ويسأل المسكين أباه: "متى ستنمو أصابعي ثانية يا أبي؟" هذا السؤال كان يمزق قلب الأب ويحرقه حسرة وندمًا .. ترك الأب المستشفى عائدًا للبيت وتوجه إلى السيارة وبدأ يركلها بقدمه عدة مرات حتى أعياه التعب فجلس بجوارها يجفف دموعه ثم إذا به ينظر إلى جانب السيارة المخدوش فوجد ابنه كان قد كتب: "أحبك يا أبي".
الحِلْم هو الإمْهَال بتأخير العقاب المستحقِّ ولا يصحُّ الحِلْم إلَّا ممَّن يقدر على العقوبة والوَقَار هو السكينة والهدوء وتجنب الطَّيش عند الغضب وعدم العجلة وألَّا يأخذ الإنسان الأمور بظاهرها فيتعجَّل ويحْكُم على الشَّيء قبل أن يتمهل فيه وينظر ولقد وصف الله تعالى نفسه بالحِلْم وسمَّى نفسه الحليم فقال تعال: {وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَلِيماً} [الأحزاب:51] قال الإمام أبو حامد الغزالي: "الحليم هو الذي يشاهد معصية العصاة ويرى مخالفة الأمْر ثم لا يستفزُّه غضبٌ ولا يعتريه غيظ ولا يحمله على المشاركة إلى الانتقام، مع غاية الاقتدار".
وقال تعالى {تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَـكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً} [الإسراء:44] وإذا ورد لفظ الحلم فعلم أن العبد مستحق للعقوبة والعقوبة هنا لترك الذكر كما تعددت الآيات التي تدعو المسلمين إلى التَّحلِّي بهذا الخُلُق النَّبيل وعدم المعاملة بالمثل ومقابلة الإساءة بالإساءة والحثِّ على الدَّفع بالتي هي أحسن والتَّرغيب في الصَّفح عن الأذى والعفو عن الإساءة قال تعالى: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران:134] فأركان الحلم ثلاثة كما ورد بالآية لا يوصف المرء بالحلم إلا إذا استوعبها .. فالحلم دليل رجاحة العقل واتزان النفس وعلي النقيض فإن التهور والاندفاع والطيش والهوى والعجلة دليل خفة العقل وسفه النفس وقال عليُّ بن أبي طالب رضي الله عنه: "ليس الخير أن يَكْثُر مالك وولدك ولكنَّ الخير أن يَكْثُر علمك ويَعْظُم حلمك وأن لا تباهي النَّاس بعبادة الله وإذا أحسنت: حمدت الله تعالى وإذا أسأت: استغفرت الله تعالى" وقال أيضًا: "من لانتْ كلمتُه وجبتْ محبتُه، وحلمك على السفيه يكثر أنصارك عليه" وقال معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما: "لا يبلغ العبد مبلغ الرَّأي حتى يغلب حِلْمُه جهله، وصبرُه شهوته، ولا يبلغ ذلك إلَّا بقوَّة الحِلْم".
فكم من اندفاعه في غير موضعها أورثت حزناً طويلا وكم من قول أو فعل متهور طائش أهلك صاحبه وحرمه النجاة تذكر دائما أن تعطي فرصة لنفسك وأن تهدأ قبل أن تتخذ قرار قد تندم عليه مدى الحياة وأعلم بأن الحلم يرفع المرء ولو كان وضيعا ويؤلف القلوب ولو كانت متنافرة ويزيل العداوة والحسد ولو كان مستحكما وكفي بالحلم فضلا أن عواقبه محمودة والندامة منه مفقودة والحليم لا ينتصف من جاهل أبدا .. كان الأحنف بن قيس يقول: "مَن لم يصبر على كلمة سمع كلمات ورُبَّ غيظٍ قد تجرَّعته مخافة ما هو أشدُّ منه وأنشد: رضيت ببعض الذُّل خوف جميعه *** كذلك بعض الشَّرِّ أهونُ مِن بعض.
إن الحلم يحفظ على نفس الرجل عزتها وكرامتها وحشمتها ويرفعها عن مجاراة السفلة والسوقة ويكثر أهل الخير من حوله .. قال معاوية رضي الله عنه لعَرابة بن أوس: "بم سِدت قومك يا عرابة؟" قال: "يا أمير المؤمنين كنت أحلم على جاهلهم وأعطي سائلهم وأسعى في قضاء حوائجهم" فعادة البشر أنهم يكرهون جافي الطبع ولا يجتمعون حول من يأخذه الغضب لأدنى هفوة إلا أن يساقوا إليه سوقاً أو يحتاجون إليه ضرورة فالحلم دليل رجاحة العقل واتزان النفس وعلي النقيض فإن التهور والاندفاع والطيش والهوى والعجلة دليل خفة العقل وسفه النفس.

شاركه على جوجل بلس
    تعليقات بلوجر
    تعليقات فيس بوك

0 من التعليقات:

إرسال تعليق