من هو شيطان الإمبراطور الروسي الذي لم يقتله السم أو الرصاص

في أجواء باردة كعادة منطقة سيبيريا الروسية في تلك الفترة من عام 1869 وفي هدوء شديد غلف تلك القرية الصغيرة والذي لم يكسره سوى صوت صرخات امرأة داخل أحد البيوت تعاني من آلام الولادة أما من بالخارج فكان أبناء القرية يستعدون للاحتفال بالمولود الجديد الذي وصل إلى الدنيا باكياً وسط ضحكات المحيطين غير مدركين أن الوضع سينقلب إلى العكس طوال حياة ذلك الطفل سيبكي من حوله وسيضحك هو وحده لأنه سيكون من أشهر رجالات التاريخ لكن في صفحته السوداء إنها لحظة الميلاد التاريخية لأشهر رجال آخر الإمبراطورات الروسية إنها لحظة ميلاد «الشيطان راسبوتين».

كبر المولود وأصبح صبياً في عمر الـ 12 يدعى جريجوري راسبوتين حين بدأت قريته تتحدث عن امتلاكه قدرات خارقة فقد قيل يوماً إن الأبقار تدر مزيداً من اللبن حين يكون هو حولها كما حل الصبي لغز سرقة إحدى الأحصنة حين تنبأ بوجودها في بيت أغنى أغنياء القرية ليجدوا الحصان هناك بالفعل وفي عشريناته التحق «راسبوتين» بأحد الأديرة ثم ادعى أن معاشرته للنساء تطهرهن من الخطايا ليشتهر بين نساء قريته بجملة: «أنا لا أقلل منكن أنا أطهركن» وفي عمر الـ 34 كان اسمه لا ينسى في قريته حين لملم أغراضه ورحل إلى العاصمة الإمبريالية سان بيترسبيرج فقد حان الوقت لخطوة جديدة كان الهدف مجتمع المدينة الارستقراطي، وصل «راسبوتين» إلى سان بيترسيبرج مدعياً إمتلاكه لقدرات خارقة في العلاج وقراءة المستقبل منصباً نفسه «راهباً» وسرعان ما ذاع صيته ضمن مجتمع الأغنياء والأرستقراطيين على مدار خمسة سنوات.

وفي القصر الإمبراطوري راحت ألكساندرا زوجة إمبراطور روسيا نيكولاس الثاني تجوب أرجاء قصرها في جنون باحثة عن حل لأزمة ابنها أليكسي الذي يعاني من مرض الهموفيليا وكانت رأسها لا تتوقف عن التفكير في كيفية إيقاف النزيف اليأس يسيطر عليها ولم يعد أمامها من خيار كان اسمه قد تطرق إلى مسامعها يوماً وأنباء قدراته الخارقة في العلاج انتشرت كالنار في الهشيم داخل المجتمع الأرستقراطي إذن لم يعد هناك من خيارات أخرى أمام الأم اليائسة من شفاء إبنها فإتخذت القرار الذي سيغير من حياتها وحياة روسيا إلى الأبد وذلك عندما طلبت العون من «راسبوتين» فهل سيستطيع هذا الرجل ذو الشعر الناعم واللحية الكثيفة والنظرات الحادة أن يحقق المعجزة وينقذ الصبي؟ كان السؤال يدور بخلد والديه الإمبراطور وزوجته وهم يشاهدونه يعالج صبيهم وكانت لحظات تفصلهم عن المفاجأة المعجزة تحققت فقد عالج «راسبوتين» الصبي وسعد الإمبراطور كثيراً أما الإمبراطورة فكانت سعادتها أكبر وأكبر لكن سعادة ابن سيبيريا فاقت الجميع لقد وضع أولى أقدامه في قصر الحكم وابتسم له الحاضر والمستقبل.

مرت السنوات واكتسب «راسبوتين» ثقة الإمبراطور وزوجته أكثر فأكثر حتى منحه الإمبراطور منصباً استشارياً في البلاط كما توسع نفوذه ليطول النبلاء والكنيسة الأرثوذوكسية والشعب كذلك لقد أصبح من لقب بـ «الراهب المجنون» رمزاً وبطلاً شعبياً وخلف ذلك النفوذ والأبواب المغلقة كان من ادعى التدين سكيراً يقيم العلاقات مع نساء الطبقة الأرستقراطية في مقابل خدمات يقدمها لهن من القصر الإمبراطوري الأمر الذي لم يكن يضايق زوجته التي ارتبط بها في عمر الـ 18 وبقيت في القرية فيما سكن هو شقة في العاصمة كما قالت هي لاحقاً لكن تلك الأسرار ربما لم يعرفها أحد من «الراسبوتيين» أو أتباعه الذين اعتادوا التجمع أمام منزله قبل شروق الشمس ويستمر البعض منهم لمدة ثلاثة أيام فقط لرؤيته فيما وصفه أحد الرجال الذين اقتربوا منه قائلا: «كانت رائحته سيئة كانت كرائحة الماعز» كما تحدث آخرون عن رائحة فمه الكريهة وشكل أسنانه المقزز وفيما دقت طبول الحرب العالمية الأولى ورحل الإمبراطور نيكولاس ليقود الجيش الروسي في الحرب ليترك «راسبوتين» الذي طالته الإشاعات بأنه على علاقة بالإمبراطورة ويتحكم في روسيا عن طريق ألكيساندرا وفي قصر أحد النبلاء اجتمع مجموعة منهم يقودهم أقارب الإمبراطور ذاته الدوق ديميتري بافلوفيتش والبرنس فليكس يوسوبوف يرسمون الخطوط العريضة لحل أزمة نمو نفوذ «راسبوتين» كان الحل بسيطاً وصعباً في الآن ذاته كان الحل ممثلاً في كلمة واحدة القتل فكما كانت العلاقات النسائية ربما أهم ما في حياة «راسبوتين» وكانت نفسها سببًا في إنهاء حياته فقد حلت ليلة الـ 29 من ديسمبر عام 1916 ثقيلة على «الراهب المجنون» وامتلأ جدوله بالمواعيد النسائية كعادته إلا أن الأهم كان موعداً مع أميرة صغيرة وجميلة تدعى الأميرة إيرينا اتففقا معاً أن يذهب إلى قصرها عقب رحيل ضيوفها على العشاء كما تروي إحدى أقارب «الشيطان» وكان يتطلع هو بشدة لهذا الموعد غير مدرك أنه الموعد الأخير فهل فشلت قدراته الخارقة في قراءة المستقبل في التنبؤ بمصيره هذه المرة؟

صبت الأميرة إيرينا بيدها كأسين من النبيذ قبل أن تحملهما وتخطو بخطوات بطيئة نحو ضيفها السري صاحب النفوذ العظيم «راسبوتين» نفسه وتناول الراهب الكأس بابتسامة ناظراً إلى أعينها آخذاً رشفة تلو الأخرى لم يشعر حينها بمادة «السينايد» السامة التي دستها له الأميرة بالاتفاق مع مجموعة النبلاء بقيادة أقارب الإمبراطور ولم يشعر أبدًا فلم يؤثر فيه السم وفشلت المحاولة الأولى لاغتياله لكن النبلاء كانوا قد اتخذوا القرار وانتهى الأمر بالنسبة لهم لن يخرج من هنا حياً ليخرجوا له ويطلقوا عليه الرصاص من مسافة قريبة ويتركوه ليواجه الموت وحده مرت مدة قصيرة جلس فيها النبلاء معاً يضحكون ويتحدثون عن دنيا أفضل بلا «راسبوتين» لكن صوتاً بالغرفة التي استلقى بها القتيل جعلهم ينتفضوا من أماكنهم ويركضوا نحو الجثة لكن الجثة لم تكن في مكانها اختفى «الشيطان» جاب الرجال سريعاً أرجاء القصر وحدائقه بحثاً عن من ظنوا أنه غادر الحياة إلى الأبد ليجدوه أخيراً حي بشكل إعجازي وكان لا يزال يحاول الهرب من أرض القصر ليطلقوا عليه النار مجدداً ويضربونه بعنف قبل أن يربطوه ويلقون به في النهر المثلج تجمع العديد من الرجال على حافة النهر كانت أنباء اختفاء «راسبوتين» قد مر عليها بضعة أيام وكان التجمع ينظر بفزع لتلك الجثة التي طفت على سطح الماء للرجل الخارق الذي كان حديث الإمبراطورية الروسية وسريعاً تكشفت خيوط المؤامرة ليأمر الإمبراطور بنفي أقاربه «يوسوبوف» و«بافلوفيتش» الذين ربما لن يتذكرهم التاريخ بشكل كبير سوى بكونهما من استطاعوا أن يتخلصوا من «راهب الإمبراطور» وحدهم استطاعوا أن يقتلوا «الشيطان».

قصة حياة «راسبوتين» مليئة بالجوانب الخفية تلك التي حاول العديد من الباحثين الكشف عنها لتتناول العديد من الكتب قصة صاحب القدرات الخارقة كما ادعى ككتب Rasputin: The Untold Story وكتاب Rasputin: The Saint Who Sinned كما ذكره الكاتب المصري أنيس منصور في كتابه «أرواح وأشباح» حياة «الراهب المجنون» لم تكن لتمر على صناع السينما العالمية دون أن تجذب أنظارهم لتتناوله 8 أفلام حملت كلها اسمه منذ عام 1938 وحتى آخرها فيلم قصير عام 2013 فيما يتم التحضير لفيلم آخر حالياً يتناول حياته أيضاً ويحمل نفس الاسم كما يتضح في أكبر قاعدة بيانات للسينما على الإنترنت IMDB كما تناولته أفلام أخرى بشكل جزئي ضمن الحديث عن الإمبراطورية الروسية قبل الثورة البلشفية.




شاركه على جوجل بلس
    تعليقات بلوجر
    تعليقات فيس بوك

0 من التعليقات:

إرسال تعليق