ما هي النرجسية وكيف تعرف نفسك إذا كنت من النرجسيين أم لا

سؤال محير ومثير أليس كذلك؟ حيث نفكر دائما أن البعض من حولنا نرجسيون دون أن ندرك معنى هذه الكلمة وهي بالأحرى تشخيص طبي لتصرف إنساني غير صحي سيكولوجيا الشخص الذي يعاني من النرجسية هو فرد معجب بنفسه بصورة مبالغة فيها ويصاحب هذا الغرام الذاتي حاجة ماسة لحب الآخرين لا بل إن هذا الشعور يصاحبه نوع من جنون العظمة فيحسب المرء نفسه نصف آلهة لم يخلق أحسن منه على وجه البسيطة وهكذا يعتبر الشخص النرجسي أنه أحسن من الآخرين وأنه من الطبيعي أن يعطي لنفسه حقوقا على حساب الآخرين وهو يعتقد أن من الطبيعي أن يكون الآخرون في خدمته كما يتميز بالأنانية والتعالي واحتقار الغير.

ويقول العالم بريد بوشمان من جامعة ولاية أوهايو الأشخاص الذين على استعداد للاعتراف بنرجسيتهم يمكن أن يكونوا فعلا كذلك وهم يفتخرون بذلك لأنهم لا يعتبرونه شيئاً سيئاً ويثقون بأنهم أفضل من الأشخاص المحيطين بهم وهم على استعداد للتصريح بذلك علانية ويذكر ان علماء النفس يعتبرون النرجسية مرضا نفسيا لأنها اضطراب في الشخصية وتعني حب النفس وتتميز بالغرور والتعالي والشعور بالأهمية وتنسب كلمة النرجسية الى أسطورة يونانية تقول ان الشاب نركسوس كان آية في الجمال وعندما رأى صورة وجهه في الماء عشق نفسه حتى الموت ويمكن القول ان الميزة الأساسية التي تعبر عن النرجسية هي الأنانية لأن المصاب بها يعشق نفسه وأنه الأفضل والأجمل والأذكى من المحيطين به لذلك يحاول استغلالهم والسخرية منهم من هنا نراه يعتني بمظهره الخارجي واناقته باستمرار ويرتاح كثيرا عند سماعه كلمات المديح والثناء والاعجاب بمظهره وبشخصه.

كان "سيغموند فرويد" وفق ما تكتبه مجلة علوم إنسانية أول من تحدث عن مصطلح "النرجسية" عام 1910 من خلال دراسته حول "المثليين جنسيا" الذين يغرمون بشخص من جنسهم لأنهم مغرمون بأنفسهم ولكن الفضل في تطوير نظرية علمية حول "النرجسية" يعود للمدرسة الأمريكية في علم النفس وقد وضع الأمريكي "أتو كونبورغ" عام 1970 نظرية تعريف "الشخصية النرجسية" انطلاقا من أعمال فرويد وتقوم على افتراض "نرجسية" بدائية "صحية" عند الأطفال كمرحلة هامة في النمو السيكولوجي ونرجسية "ثنائية" تستمر عند الشخص البالغ الذي لم يستطع الخروج من "التركيز على نفسه" للتفاعل مع العالم الخارجي ولكن السؤال الذي حير الكثيرين هو كيف يقع الشخص النرجسي في الحب؟ فالحب عطاء وخروج من النفس قبل أن يكون تبادلا.

تحضرني هنا صورة العقيد "معمر القذافي" الذي جسد قمة النرجسية وهو يرفع رأسه عاليا مخاطبا شعبه "من أنتم أيها الجرذان" ؟ لم ينتبه القذافي حينها أنه فقد البصر والبصيرة وأن "نرجسيته" حرمته من التواصل مع شعبه فماذا لو كان السيناريو مخالفا؟ ماذا لو أصغى القذافي للمحتجين واستقبلهم واستمع إلى انتقاداتهم ومطالبهم وفتح أمامهم مجال المواطنة في دولة مؤسسات؟ أعتقد أن نهاية الرجل المأساوية كانت ستكون مختلفة تماما حول هذا الموضوع تكتب الطبيبة النفسية "جانفييف أبريال" أن القليل من النرجسية مطلوب لكل إنسان سوي لأنها تمنحه الحب الذاتي الكافي الذي يدعمه في خياراته وفي حياته ولكن تحول الحب الذاتي إلى تأليه الذات واحتقار الغير هو مرض اكلينيكي ناتج عن قصور في اعتقاد الشخص أنه جدير بحب الآخرين وهكذا يحرص النرجسيون على أن يكون محط الاهتمام والإعجاب من قبل أصدقائه أو أحبابه وهو يجذبهم بوعد أنه قد يحبهم وفي الحقيقة هو يفشل دائما في الوفاء بهذا الوعد لأنه غير قادر على أن يحب شخصا غيره هو.

صفات النرجسية التي يعتبرها علماء النفس مرضا نفسيا تجعلني أتساءل إن كان العالم اليوم يؤم شعوبا وقبائل من المرضى النفسيين فنارسيس بطل الاسطورة الإغريقية الذي أغرم بصورته في بركة الماء نرسيس ليس جميلاً كما ظنّ لكن صُنَّاعَهُ ورَّطوهُ بمرآته فأطال تأمُّلَهُ في الهواء المقَطَّر بالماء لو كان في وسعه أن يرى غيره لأحبَّ فتاةً تحملق فيه وتنسى الأيائل تركض بين الزنابق والأقحوان ولو كان أَذكى قليلاً لحطَّم مرآتَهُ ورأى كم هو الآخرون كلما أفكر في "نرسيس" أفكر في محمود درويش صاحب هذه الأبيات الذي تفطن إلى أن مرض العصر هو النرجسية فأين تبدأ النرجسية؟ 

خلص باحثون أمريكيون إلى أن النرجسية لها تأثيرات قد تكون مضرة للصحة الجسدية ولاسيما عند الجنس الخشن وذكر موقع هلث دي الأمريكي أن باحثين من جامعتي ميشغان وفرجينيا وجدوا أن الرجال الذين يملكون صفتي الاستغلال والسعي وراء الألقاب سجلوا مستويات عالية من الكولسترول وهرمونات الإجهاد التي يمكن أن تؤدي إلى ارتفاع ضغط الدم ومشاكل في القلب وقال واضعو الدراسة إنه رغم تساوي النرجسية لدى الرجال والنساء إلا ان هذه الظواهر السلبية لم تظهر إلا عند الرجال وقاس الباحثون خلال الدراسة نسبة الكوليسترول لدى 106 أشخاص الذين أجابوا على 40 سؤالا حول خمس صفات أساسية للنرجسيين وهي إضافة إلى الاستغلال والسعي للألقاب الإفتتان بالنفس والمبالغة في تقدير تميّزهم والشعور بالعظمة ولكن لكي لا نضحك على أنفسنا كم من "نرسيس" بين ظهرانينا نحن البشر العاديون كم من صحفي او إعلامي أصيب بجنون العظمة كم من شخص حقر غيره لأنه يعتقد بأنه الأحسن كم رجل أو امرأة غذى هذا الشعور في نفسه وكيف عززت مواقع التواصل الاجتماعي وابتكارات السلفي والانستغرام والهواتف الذكية نرجسيتنا وحرضتها على النمو؟ ظنا منا أننا نحقق انتصارات وهمية على واقعنا وعلى طواحين الهواء؟

وقد إكتشف علماء النفس في الولايات المتحدة الى أن أفضل طريقة للتعرف على الشخص النرجسي هو سؤاله عن ذلك مباشرة الاختبار الجديد يتكون من سؤال واحد فقط توصل إليه علماء النفس بعد أن أجروا 11 اختبارا شارك فيها 2200 متطوعا حيث اكتشفوا انه يمكن التعرف على الأشخاص الذين يعانون من النرجسية بواسطة السؤال إلى أي مدى تتفقون مع مقولة: أنا نرجسي؟ بعد ذلك طلب من كل مشارك ان يحدد درجة نرجسيته حسب مقياس من 7 درجات ويؤكد علماء النفس على أن 20 ثانية فقط كافية لتحديد نتيجة الاختبار في حين يتطلب الاختبار التقليدي الأساسي "Narcissistic Personality Inventory" ما لا يقل عن 20 دقيقة ويضيفون طبعا لن يحل الاختبار الجديد محل الاختبار التقليدي الأساسي ولكنه سيساعد في تحديد الذين يعانون من النرجسية.

شاركه على جوجل بلس
    تعليقات بلوجر
    تعليقات فيس بوك

0 من التعليقات:

إرسال تعليق