![](https://blogger.googleusercontent.com/img/b/R29vZ2xl/AVvXsEjMwG0SwZSwtM4f2W42ekdLeYvD13iduNMbAtv3G6tMbLEK3W-3myEBNNVjpfgIQmNhGJ2TZNMvuTJuLo-347BtwIKF2dAyYRmPsj0AaXSfPjN74i5Xv0sXp8Mw2dMGq6Oe0ZU9I3FNEw65/s320/%25D8%25B4%25D9%2581%25D9%258A%25D9%2582%25D8%25A9+%25D8%25A7%25D9%2584%25D9%2582%25D8%25A8%25D8%25B7%25D9%258A%25D8%25A9.jpg)
وفجأة اختفت «شفيقة» فجن جنون الأسرة وبحثت عنها في كل مكان حتى يئست من العثور عليها وبعد حوالي 6 أشهر علمت الأسرة أن «شفيقة» تعمل راقصة في أحد الموالد الكبرى بالوجه البحري فأرسلت إليها قسيسا لينصحها بالرجوع عن هذا الطريق الذي يدمر مكانة عائلتها لكن القسيس فشل في إقناع الفتاة التي بدأت تضع قدميها على أولى درجات الشهرة والثراء ولم يسع الأسرة المحافظة إلا أن تتبرأ من فتاتها المتمردة لم تعبأ الفتاة الشابة بهذا القرار ولعلها أرادت أن تثبت لأسرتها أنها لم تنحرف عن استقامتها فأطلقت على نفسها اسم «شفيقة القبطية» اعتزازا وتمسكا منها بديانتها وعادت إلى القاهرة لتعمل مع أستاذتها «شوق» لتعمل في الأفراح الكبرى وبعد 6 أشهر ماتت «شوق» فخلت الساحة لـ«شفيقة» وفي فترة قصيرة تربعت على عرش فن الرقص ولمع اسمها فأصبحت الأسر الكبيرة تباهي بأنها جاءت بشفيقة القبطية في أعراسهم وأرادت «شفيقة» أن تجري تجديدا يتناسب مع شهرتها فابتدعت رقصة «الفنيار» فكانت تميل بجسمها إلى الخلف وتحمل على بطنها منضدة صغيرة تضع عليها 4 كوبات مملوءة بالشربات وتضع على جبينها «فنيارا» أو «شمعدان» مضاء بالشموع ثم ترقص على هذه الحال وفي يدها الصاجات فلا تسقط الأكواب ولا ينزلق الشمعدان لقدرتها العجيبة على حفظ توازنها.
![](https://blogger.googleusercontent.com/img/b/R29vZ2xl/AVvXsEgCvcCzaCX0wzSdsSBP7EciH77m_ERizwK-2wM5Hc5RdQqDvOITEvc-xN_O8fA1LAtRUhyv42_oTW6DvlxvwilwLKgD0gwSqa8dSIA4tb9mILM29eSHXxTmmhP48v9RbrtGJZGezNTe2R8m/s1600/%25D8%25B4%25D9%2588%25D9%2582+%25D8%25B1%25D8%25A7%25D9%2582%25D8%25B5%25D8%25A9+%25D9%2585%25D8%25B5%25D8%25B1+%25D8%25A7%25D9%2584%25D8%25A3%25D9%2588%25D9%2584%25D9%2589.jpg)
وانتقلت «شفيقة» للرقص في ملهى «ألف ليلة» فكانت تظهر في ملابس موشاة بخيوط من الذهب وتلبس حذاء غطت كعبه طبقة من الذهب مرصع بالماس الحقيقي والجواهر وتتحلى بأطقم من الذهب والجواهر قيمة الحذاء خمسة آلاف جنيه أي خمسة آلاف جنيه من الذهب واتسعت شهرة الراقصة العجيبة فبدأت إحدى الشركات الفرنسية التي تصنع أدوات ومواد الزينة تضع صورة «شفيقة» على منتجاتها وظهرت زجاجات عطر و«مراوح» وعلب بودرة تحمل صورتها وانتشرت في أنحاء العالم وظهرت مناديل رأس عليها صورة «شفيقة» وتهافت عليها الرجال من جميع أنحاء العالم وتلقت «شفيقة» الكثير من الهدايا التي أرسلها الأجانب الذين شاهدوها في مصر ومن بين هؤلاء الأجانب تاجر فرنسي أعجب بـشفيقة وأحبها وأراد أن يتزوجها فرفضت وعاد يقترح عليها أن يأخذها إلى باريس لتعرض فنها هناك فأعجبت بالمغامرة وسافرت حيث رقصت فسحرت باريس التي كانت يقام فيها في ذلك الوقت معرض دولي كبير استأثرت الراقصة المصرية بمعظم رواده اشتركت في معرض أقيم في باريس فقدمت فنها الراقص فنالت جائزة من المعرض الباريسي واستقبلتها صحافة مصر بلقب الراقصة العالمية والدولية وملكة الرقص الشرقي وتلقت عروضا من ايطاليا واسبانيا وتونس والجزائر لإحياء احتفالاتهم وأفراحهم.
وعادت شفيقة إلى مصر لتستأنف استقبال المجد والثراء وكانت عاصمة الأناقة باريس أصقلت ذوقها فازدادت أناقتها وأصبحت الملابس التي تلبسها والحلي التي تتجمل بها هي موضة العصر عند سيدات الطبقة العليا وأدركت «شفيقة» أنها أصبحت «ملكة الرقص الأولى في العالم» بلا منازع وأرادت أن تستكمل مظاهر الترف والثراء فاقتنت ثلاث عربات «حنطور» فاخرة واقتنت عشرات من الخيل الأصيلة وإذا خرجت صباحا ركبت عربة «كومبيل» وإذا خرجت ظهرا ركبت «تينو» وإذا خرجت ليلاً في الصيف ركبت «الفيتون» المكشوف وكل عربة من هذه العربات يجرها أربع من الخيول ويحيط بها إثنان من «القشمجية» ويتقدمها إثنان من السياس يصيحان: «وسع.. وسع» وفي أحد المرات كانت «شفيقة» تتنزه بموكبها في الجزيرة وكان الأمير حسين كامل يتنزه في المنطقة نفسها وعندما رأى الموكب ظن أنه لأحد الأمراء وعندما علم حقيقة الوضع غضب وذهب إلى الخديوي وأخبره أن سيدة مصرية تنافس الأمراء بل تنافس الخديوي نفسه في الثراء والعظمة وسرعان ما أصدر الخديوي «ديكريتو» أو أمرا يمنع أصحاب العربات من استخدام «السياس والقشمجية» وقصر استخدامهم على الخديوي والأمراء ومن مظاهر الترف التي كانت تعيش فيها ملكة الرقص «شفيقة» أنها كانت تستخدم طائفة من الخدم الإيطاليين وكانت لا تفصل لهم ملابسهم إلا عند أشهر خياطين في مصر وهما «كلاكوت» و«ديفز براين» اللذين كان الوزراء يفصلون ملابسهم عندهما وكانت إذا انتقلت من بلد إلى بلد استأجرت صالونا خاصا في القطار تركبه مع حاشيتها وخدمها.
![](https://blogger.googleusercontent.com/img/b/R29vZ2xl/AVvXsEhNW-63zi6bw3qRx4lt3eLCZ_rCwpOTbyFjHRgiSeUDONLrQoydzACdAfkdVgT7K36FGtiYdqmHJjq1Ku8vK4-LRRXPbilBuCkduiZqnU4awrrY2rMhFZdbqgU1B0OM0i-cXedsuTB8Le1j/s320/%25D8%25A7%25D9%2584%25D8%25B1%25D8%25A7%25D9%2582%25D8%25B5%25D8%25A9+%25D8%25A7%25D9%2584%25D8%25AA%25D9%258A+%25D8%25B4%25D8%25B1%25D8%25A8%25D8%25AA+%25D8%25AE%25D9%258A%25D9%2588%25D9%2584%25D9%2587%25D8%25A7+%25D8%25A7%25D9%2584%25D8%25B4%25D9%2585%25D8%25A8%25D8%25A7%25D9%2586%25D9%258A%25D8%25A7.jpg)
وتقدمت «شفيقة» في العمر وبدأ طابور المعجبين يتناقص بالتدريج وتلفتت وراءها فلم تجد منهم أحدا فعادت إليهم تناديهم فلم يستجب أحد للنداء وبدأت تدفع ثمن إبعادهم عنها حاولت أن تجذب الشباب المحروم إليها وتغريهم بالمال فكانوا يتمتعون بمالها ويستغلونها ولا يعطيها أحد حبا حقيقيا وبدأت الثروة تتبدد بعد أن بطل السحر وولى الشباب ولم يبق لـ«شفيقة» من كل ذلك المجد غير ذكراه ولم يبق لها من ثروتها غير بيت واحد في شبرا أرادت أن تعيش فيه فأجرت بعض غرفه لكنها أحبت شابا أجبرها على بيعه فباعته وافتتحت محلا لبيع الخمور في شبرا لكنها اضطرت لبيعه إرضاء لفتى جديد لم يلبث أن هجرها فاضطرت أن تعود للرقص بعد أن ظهرت عليها ملامح الشيخوخة في ملهى «بوظة» بباب الخلق مقابل أموالا قليلة لكن شهرة «شفيقة» كانت قد انطفأت بعد ظهور ثلاث حسنوات جديدات في عالم الرقص هن «معتوقة» و«زهرة العربية» و«نفوسة غرام» ورغم أن هؤلاء لم يبلغن ما بلغته «شفيقة» من الشهرة والقدرة إلا أن جمالهن كان كفيلا بتفوقهن عليها وهكذا اختفى ضوء شفيقة القبطية.
وأصيبت بصدمة عاطفية فباعت المقهى وسافرت مع الحبيب إلى تونس واستمرت عدة شهور تنفق ببذخ وتلعب على موائد القمار وتحتسي الخمر بشراهة وتقبل على المخدرات حتى ذهب عنها الثراء وأصيبت بأمراض منها السكري الذي أعاق الرقص والحركة وفي أوائل القرن العشرين بدأت تهيم في شوارع القاهرة طالبة الإحسان من المارة ورواد المقاهي في ليلة نادت على سيد درويش قائلة له: «أنا مش عايزة فلوس نفسي أدوق السمك» فبكى «درويش» عليها كيف كانت تغطى بالحرير وتلهو بالذهب والجواهر والحلي ثم تحولت إلى هائمة متسكعة تتمنى أن تذوق وجبة من السمك في المطاعم الشعبية وافترشت الحصير في أحد البيوت الشعبية في شارع «نخلة» بحي شبرا وطلب لها صاحب البيت الطبيب أحمد سري بك لكي يعالجها فذهب إليها ليجد جسدا خاوياً هزيلا كالمومياء يحتضر لا يجدي به العلاج وفي عام 1926 أغمضت شفيقة القبطية عينيها وتوفيت في عمر الخامسة والسبعين وسار وراء جنازتها إثنان فقط ولم تترك مالاً لإعطاء الحانوتي فتطوع اثنان أحد ازواجها والثاني معلم العربي الكارو لتودع دنيا حفلت بأمجادها وصفقت لها أكثر من نصف قرن.
0 من التعليقات:
إرسال تعليق