قبل عقود قليلة كان الحديث يتردد عن المعجزة اليابانية ذلك أن اليابان هذه البلاد التي هي مجرد جزيرة عرفت كيف تنهض من الدمار الذي خلّفته هزيمتها الساحقة في نهاية الحرب العالمية الثانية واستطاعت بعد سنوات قليلة من تلك الهزيمة أن تفرض نفسها كإحدى القوى الاقتصادية الأولى على الصعيد العالمي ولكن بعد أن غزت منتجاتها اسواق العالم في العقود التي تلت نهاية الحرب العالمية الثانية عرفت اليابان في العقدين الأخيرين قدرا ملموساً من الإنكفاء والتراجع في المشهد العالمي العام ووجدت نفسها في مواجهة جملة من الرهانات والخيارات الاستراتيجية.
هذا بالتحديد ما يشرحه «جان ماري بويسّو» الصحفي ومدير الأبحاث في مركز الدراسات الدولية بكلية العلوم السياسية في باريس والأخصائي باليابان والذي كرّس لها عددا من مؤلفاته في كتابه الذي يحمل عنوان «جيوسياسة اليابان» مع عنوان فرعي مفاده «جزيرة في مواجهة العالم» تتوزع مواد هذا الكتاب بين عدد من الفصول التي تدلّ عناوينها على المواضيع التي تناقشها عناوين مثل «بلاد صغيرة محرومة من الموارد» و«مفارقات جزيرة بلا حدود» و«معركة اللامركزية» و«التقهقر ليس نهاية العالم» و«نقاط ضعف قاتلة؟» و«الأمن والمكانة والتهديدات»...الخ.
في هذا الكتاب يحاول «جان ماري بويسّو» تقديم العديد من عناصر الإجابة على مثل هذا السؤال وهو يعود بداية إلى الحديث عن «الهزائم» الأخيرة زمنيا التي عرفتها اليابان في تاريخها الحديث ويحدد الهزيمة الأولى منها في انفتاح اليابان على العالم في أواسط القرن التاسع عشر أمّا الهزيمة الثانية والأكبر في التاريخ الياباني الحديث فيجدها في «المغامرة الحربية» التي خاضتها اليابان في الحرب العالمية الثانية والتي عرفت نهايتها في عام 1945 عندما قـصفت الطائرات الأميركية مدينتي هيروشيما وناغازاكي اليابانيتين بالسلاح الذرّي لتعلن اليابان استسلامها النهائي تجدر الإشارة أن الجسد الأساسي من الكتاب يتركّز على رصد مظاهر الأزمة «البنيوية» حسب التوصيف الذي يستخدمه المؤلف التي تعرفها اليابان منذ فترة تزيد عن عقدين من الزمن ودون التوقّف طويلا عند فترة النهوض بعد الحرب العالمية الثانية ويشرح أنها أزمة يرى أنها تضع اليابان على «مفترق طرق» حقيقي بالنسبة للمستقبل ولا يتردد «جان ماري بويسّو» الأخصائي الشهير باليابان وبتاريخها الحديث ومسار تطوّرها في التأكيد أن الرهان الاستراتيجي الذي تواجهه اليابان اليوم هو مكانتها في عالم اليوم ذلك أنه محكوم عليها بأحد خيارين أساسيين سيحدد تبنيّها لأحدهما مستقبلها في قادم السنوات فإمّا أن تعتمد على «طبيعتها العميقة» وتشحذ إرادتها لتنهض من جديد كي تتأقلم مع عالم دفعها إلى الأزمة وبالتالي تأخذ حصّتها وموقعها في صفوف الأمم الأولى في العالم كما فعلت مرّتين في تاريخها الحديث وإمّا أنها ستعود مجرّد جزيرة هرمة تعيش على دخل مخزوناتها الكبيرة التي كدّستها بفضل «المعجزة الاقتصادية» التي حققتها خلال عقود ازدهارها القريبة في المحصّلة العامة للتحليلات التي يقدّمها «جان ماري بويسّو» يرسم صورة تميل إلى التشاؤم بالنسبة لمستقبل الصين ومع الإشارة إلى أنها استطاعت المحافظة على قدر من المنافسة الاقتصادية حتى ينتهي إلى التساؤل في نهاية الكتاب: لكن إلى متى؟
0 من التعليقات:
إرسال تعليق